الحكامة البرلمانية في ضوء دستور 2011 - مقاربة تدبيرية -

تقرير حول الدرس الافتتاحي الثاني
في موضوع:
 "الحكامة البرلمانية في ضوء دستور 2011 - مقاربة تدبيرية -
من إلقاء الأستاذ د. محمد حنين.


بقاعة المناقشات، بكلية الحقوق أكدال، الرباط، افتتح الدرس الافتتاحي الثاني، الذي نظمه منتدى الباحثين في العلوم الإدارية والمالية، الخميس 26 ديسمبر 2013، من طرف مسير الجلسة السيد عبد الحكيم المرابط. وبعد كلمة رئيس المنتدى، السيد فؤاد بلحسن، الترحيبة، وكلمة، السيد أحمد بوجداد رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق أكدال، شرع الأستاذ محمد حنين في إلقاء تدخله، معتبرا، في البدء، أن ما سيقدمه هو عبارة عن درس تفاعلي بينه وبين الحضور الكريم.


وفي مداخلته، حدد الأستاذ أربع قضايا أساسية لموضوع الحكامة البرلمانية في ضوء دستور 2013، والتي هي:
أولا: الوظائف الجديدة للبرلمان بعد دستور 2011
ثانيا: عقلنة العلاقة بين المجلسين
ثالثا: الآليات الجديدة للحكامة البرلمانية
رابعا: تحديات الحكامة البرلمانية

أولا: الوظائف الجديدة للبرلمان بعد دستور 2011
لخص الأستاذ المتدخل أهم هذه الوظائف في التالي:
·        تعزيز الوظيفة التشريعية للبرلمان من خلال توسيع مجال القانون؛ فالبرلمان أصبحت له إمكانية التشريع في أكثر من 60 مجال وفق دستور 2011، عوض 12 مجال في دستور 1996، بالإضافة الى تعدد القوانين التنظيمية حيث أن هناك أكثر من 20 قانون تنظيمي؛
·        تكريس الآليات الرقابية التقليدية؛
·        إقرار المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة؛
·        تقوية الوظيفة الرقابية للبرلمان، بإسناده إمكانية تقييم السياسات العمومية لمراقبة حكامة السياسات العمومية.

ثانيا: عقلنة العلاقة بين المجلسين
وفي معرض تفكيكه لمظاهر هذه العقلنة الجديدة التي جاء بها دستور 2011، عرض المتدخل الأفكار التالية:
·        عقلنة عمل المجلسين، بإعطاء الأولوية لمجلس النواب على مجلس المستشارين في مجال التشريع، فكل مشاريع القوانين أصبحت تحال على سبيل الأولوية على مجلس النواب، باستثناء المشاريع المتعلقة بالجماعات الترابية والتنمية الجهوية والقضايا الاجتماعية، وكل ذلك بهدف إعطاء نوع من التراتبية لصالح مجلس النواب مع تعزيزها بإسناده كلمة الحسم في حالة نشوب خلاف بينه ومجلس المستشارين (نظام برلماني بغرفتين وليس نظام برلماني ببرلمانين ترسيخا لمنطق الغرفتين ببرلمان واحد)؛
·        إقرار مبدأ العمل المشترك بين الغرفتين، من خلال عقد جلسات مشتركة بين كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين؛ فبالإضافة الى افتتاح دورة أكتوبر، تتجلى مظاهر هذه الجلسات في تقديم مشروع القانون المالي، الاستماع الى خطاب رئيس دولة أو حكومة أجنبية وكذلك الاستماع الى خطاب رئيس الحكومة في قضايا الطارئة.

ثالثا: الآليات الجديدة للحكامة البرلمانية
وقدم المتدخل نماذج لأدوات الحكامة التي شرع البرلمان في تنفيذها في التالي:
·        إصدار نسختين للنظام الداخلي بمجلس النواب، النسخة الأولى كان لها طابع تقني، بينما تضمنت الثانية مراجعة شاملة للنظام الداخلي لمجلس النواب؛
·        تحديد مساطر تقييم السياسات العمومية من طرف البرلمان؛
·        تعزيز حق البرلمان في اقتراح مشاريع قوانين تخص المالية العمومية، ومناقشة التقارير الرسمية التي تهم المال العام؛
·        إقرار مدونة سلوك حول العمل البرلماني ذات بعد قانوني إلزامي، خصوصا بعد أن اقر المجلس الدستوري بمطابقتها للدستور بعدما تم تضمينها بالنظام الداخلي لمجلس النواب، وأصبحت بذلك بابا من أبوابه، تعالج بعض القضايا من قبيل: غياب النواب، الترحيل السياسي، التصريح بممتلكات النواب، تضارب المصالح ...
·        مراجعة النظام الأساسي لموظفي البرلمان، بإحداث نظام جديد للترقية والتعويضات والمسار المهني؛ بغية تحفيز موارده البشرية على العطاء الجيد، بالنظر لحاجة البرلمان الى إدارة برلمانية في مستوى وظائفه الجديدة.

رابعا: تحديات الحكامة البرلمانية
وجرد المتدخل أهم التحديات التي تواجه الحكامة البرلمانية بالمغرب في التالي:
·        الانتقال بالمؤسسة البرلمانية من مؤسسة للواجهة الى مؤسسة حقيقية تنهض بجميع الوظائف التي عهد إليها لها بمقتضى الدستور الجديد؛
·        العمل بإطار هيكلي وظيفي، وليس بنظام هيكلي مغلق كما هو معمول به اليوم والذي يجعل من مديرية التشريع والمراقبة البرلمانية البنية الوحيدة التي يتوفر عليها. هذا النظام الأخير لا يستجيب للوظائف الجديدة للبرلمان؛
·        تعزيز ودعم الموارد البشرية للبرلمان بالكفاءات عبر مدخل عقلنة نظام التوظيف داخل هياكله من جهة، من خلال جعل المباراة هي الأساس في التوظيف، ضمانا لحياد الموظفين واستقطاب الكفاءات مثل ما هو معمول به بالجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ بفرنسا، ومن جهة أخرى بالرفع من أعداد موظفيه، بالنظر الى افتقار الهياكل البرلمانية للأعداد الكافية من الموظفين والقادرة على مواجهة الأعباء والوظائف الجديدة للبرلمان؛
·        تقوية وسائل العمل البرلماني من لوجستيك ومكاتب ومساعدين وخبراء، دعما لقدرات البرلمانيين؛
·        تعزيز الاستقلال المالي للبرلمان، عبر فك ارتباطه بالسلطة التنفيذية، سواء تعلق الأمر بتحديد الاعتمادات أو تنفيذها.

مواصفات الحكامة البرلمانية الضرورية:
·        ضرورة تكامل المجلسين على مستوى تنسيق عملهما الرقابي والتشريعي، تفاديا لضياع الوقت والتكرار ووصولا الى عقلنة محكمة للزمن البرلماني؛
·        تصحيح الصورة الخاطئة لدى الرأي العام حول المؤسسة البرلمانية لتمكينه من استيعاب، بصورة أوضح وأكثر، للوظيفة البرلمانية، من منطلق التمييز بين السياسي والإداري وتوضيح مسؤولية كل طرف فيهما في شؤون تدبير الشأن العام؛
·        تعزيز الثقة بالمؤسسة البرلمانية وبناء ثقافة جديدة، يمكن من خلالها مراقبة هذه المؤسسة دون التشكيك فيها.

المناقشة:
يمكن عرض أبرز الأسئلة والأفكار التي طرحت بالمناقشة على الشكل التالي:
v    كيفية الفرز بين الآليات التقليدية والآليات الجديدة للرقابة البرلمانية؛
v    علاقة إثبات الذات لدى الأكاديمي في مواجهته للبرلماني، وقدرته على فهم العمل التشريعي بما يحمله من إشكالات؛
v    حدود تكريس مفهوم السلطة التشريعية لدى النخبة البرلمانية؛
v    طبيعة النقاش السياسي داخل دواليب البرلمان؛
v    مداخل تعزيز الاستقلال المالي للبرلمان، بما في ذلك المتعلق بالقانون التنظيمي للمالية؛
v    أسلوب الإلحاق وقدرته على تعزيز الموارد البشرية للبرلمان بالكفاءات المطلوبة؛
v    إشكالية التواصل بين البرلمان والناخبين.
تعقيب الأستاذ
تتمثل الأفكار المعروضة بهذا التعقيب، في التالي:
·        المباراة هي النظام الذي يمكن من خلاله ضمان استقطاب كفاءات على أساس الاستحقاق، كما يمكنها أن تدفع التداخل الذي قد يحدث بين موظفي المؤسسة البرلمانية ونوابها؛ ففرنسا مثلا تضع إمكانية استقطاب موظفين من إدارات عمومية وذلك عن طريق الوضع رهن الإشارة وليس الإلحاق، تفاديا للانتساب المالي للموظف الموضوع رهن الإشارة بالمؤسسة البرلمانية؛
·        تعلق البرلماني بالهاجس الانتخابي، أهم ما يفسر شدة تمسكه بشؤون دائرته الانتخابية على حساب انشغاله بوظائفه التمثيلية والرقابية والتشريعية؛
·        حتى الآن، لا يمكن ضمان الاستقلال المالي للمؤسسة البرلمانية؛ وحتى لو تم ذلك انطلاقا من إجراء بعض التعديلات في هذا الشان على مستوى القانون التنظيمي للمالية فإن الطعن في دستورية هذه التعديلات سيجد صداه أمام المحكمة الدستورية لا محالة؛
·        تقييم السياسات العمومية، لا يعني فقط تقديم أسئلة شفوية، على اعتبار أن تفعيل هذه الوسيلة لوحدها لا يكفي لتقييم السياسات العمومية. لتحقيق تقييم حقيقي، يمكن للبرلمان أن يطلب من المجلس الأعلى للحسابات مساعدته في ذلك كما يمكنه الاستعانة في ذلك بتقارير أخرى، ثم يفتح النقاش حول نتائج هذا التقييم او ذاك داخل اللجان والفرق البرلمانية قبل عرضها على جلسة تداولية عامة لا يعقبها التصويت؛
·        الابتعاد عن الممارسة السياسة بدواليب المؤسسة البرلمانية، يجعل من كتابات الباحثين غير المتمرسين مجرد كتابات نظرية وبعيدة عن الواقع ويطغى عليها الخيال. وعليه، فالانفتاح على المجتمع المدني كسلطة جديدة بالدستور الحالي والاعتراف له بممارسة العديد من الوظائف، هيأ لجميع الشرائح والنخب، المشاركة في النقاش العمومي ومن تم المشاركة في النقاش السياسي.
وخلص الأستاذ الى ان تكريس دولة المؤسسات، ينطلق بوضع الثقة فيها مع تحميلها لمسؤولياتها كاملة.
وفي آخر النشاط، قدم المكتب المسير لمنتدى الباحثين في العلوم الإدارية والمالية بتسليم د. محمد حنين شهادة تقديرية، شكرا له على قبول الدعوة واعترافا بإسهاماته العلمية على صعيدي التدريس والبحث في مجال تدبير الشأن العام.

أعد التقرير: الباحث ياسين بلحاج
رابط صفحة منتدى الباحثين في العلوم الإدارية والمالية على الفايسبوك:

تعليقات