تدبير قضايا التعمير والإسكان في المغرب بين النص والممارسة






تقرير علمي للمائدة مستديرة:

"تدبير قضايا التعمير والإسكان في المغرب بين النص والممارسة"


من تنظيم:

منتدى الباحثين في العلوم الإدارية والمالية / مختبر القانون العام والعلوم السياسية
أكدال – الرباط / 19 يونيو 2014


نظم منتدى الباحثين في العلوم الإدارية والمالية، بشراكة مع مختبر القانون العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال – الرباط، بتاريخ الاثنين 19 ماي 2014، مائدة مستديرة  بنفس الكلية، حول موضوع "تدبير قضايا التعمير والإسكان في المغرب بين النص والممارسة ". وتميزت بمشاركة ثلة من الأساتذة والباحثين والأطر الإدارية إلى جانب حضور منابر إعلامية وعموم الطلبة.



وقد أشرف على تسيير هذا اللقاء العلمي واحد من أعمدة القانون الإداري، والتعمير على وجه الخصوص، د. عبد الرحمان البكريوي، الذي فسح المجال لتقديم كلمتين ترحيبيتين؛ الأولى لرئيس شعبة القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال، د. أحمد بوجداد، أكد فيها على امتياز هذا النشاط بكونه الأول من نوعه الذي ينظم بشراكة بين الأساتذة الباحثين والطلبة الباحثين بكلية الحقوق أكدال الرباط. والثانية للباحث عبد الحكيم المرابط الذي قدم كلمة باسم المنتدى، مستغلا المناسبة للترحم على الأستاذ القدير د. عبد الإله المكينسي.
المداخلات:
قانون التعمير والإشكاليات العقارية بالمغرب / د. إدريس وزرزايت، مسؤول بوزارة السكنى وسياسة المدينة سياسة المدن الجديدة
د. الهادي مقداد، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق-أكدال / أبعاد سياسة التعمير والعوامل المؤثرة فيها /  محمد البزوي، طالب باحث بمركز دراسات الدكتوراه بكلية الحقوق-أكدال
تطور استراتيجية الدولة في محاربة السكن غير اللائق بين المرجعية القانونية وإكراهات التدبير الجيد
 د. علي بوحلبة، أستاذ زائر بكلية الحقوق-السويسي، وإطار بوزارة الوظيفة  العمومية وتحديث الإدارة
السكن القروي بين النص القانوني والممارسة الميدانية /  البشير الحجاجي، طالب باحث بمركز دراسات الدكتوراه بكلية الحقوق-أكدال.

استهلت المداخلات بعرض د. إدريس بوزرزايت، تحت عنوان : «قانون التعمير والعقار والإشكالات العقارية بالمغرب »، بدأه بالإشارة إلى كون التعمير هو صناعة والعقار هي المادة الخام للصناعة.
وعلى مستوى السياسة العقارية بالمغرب، سجل المتدخل غياب وجود بنيات عقارية مناسبة مسايرة للتطورات التي عرفها المغرب في هذا المجال.
وأكد أن المغرب عرف عدة أوراش ونصوص ذات العلاقة بموضوع التعمير ومنها القانون 01.06 الذي سمح بإدراج أراضي الإصلاح الزراعي ومدونة الحقوق العينية التي حاولت أن تدخل مجمل العقارات لدائرة التعامل سواء المحفظة أو غير المحفظة كما أسست لمرجعية قانونية لمختلف المحاكم المغربية على هذا المستوى.
والى جانب ذلك نجد كذلك مدونة الأوقاف التي أتت بمستجدات بهذا الشأن وقانون التحفيظ العقاري .
إلا أن هذه المستجدات القانونية – حسب المتدخل – لم  تكن تدخل في إطار نظرة استراتجية  للتعمير.
فعلى مستوى الإشكالات والثغرات والنقائص، يمكن تسجيل أربع ملاحظات:
الأولى:عدم انسجام الإطار القانوني للعقارات
ذلك أنه يلاحظ بأن العقارات ليست وحدة منسجمة؛ الأمر الذي نتج عنه اختلاف النظام القانوني وذلك على مستوى أنواع الملكية وكذا الطبيعة القانونية للملكية.
فعلى مستوى أنواع الملكية نجد:
·   الأراضي السلالية: التي تقدر حسب احصائيات أكاديمية ب 12 مليون هكتار وحسب وزارة الداخلية المغربية ب 15 مليون هكتار
·   أراضي الكيش: التي تتراوح مساحتها بين  240 ألف هكتار و300 ألف هكتار وتمثل ثلثي إجمالي المساحة الوطنية. والإشكالات التي تثار حول هذا النوع هو تواجدها بضواحي المدن العتيقة والملكية تكون للدولة التي تملك حق الرقابة ويبقى للأفراد حق الانتفاع
·        الأحباس: تبلغ مساحتها بين 60 الف هكتار و 100 الف هكتار وتطرح على مستوى هذا النوع إشكالات عويصة...
·        أراضي الدولة : وتنقسم الى الأملاك العامة والخاصة وهذه الأخيرة تعرف تدهورا بسبب الضغط الحاصل عليها.
على مستوى الطبيعة القانونية للعقارات: نجد العقارات المحفظة والعقارات غير المحفظة. هذا بالإضافة إلى الرسوم الخليفية التي تتمركز بمنطقة الحماية الإسبانية سابقا؛ أي بالمنطقة الشمالية للمغرب؛ وتقدر بطول  يصل الى300 كيلومتر و60 كيلومتر كعرض، وما يثار على مستوى هذا النوع هو أن العقار الواحد قد يكون مسجلا باسم أربعة أشخاص، بالإضافة إلى أنها بدون تصاميم طبوغرافية.
وعموما بذلت، منذ 1962، عدة مجهودات لحل الإشكالات العالقة على هذين المستويين إلا أنها ظلت دون ممول؛ بالنظر إلى كون الأمر يتعلق بكتلة متنافرة غير متجانسة.
الملاحظة الثانية: صعوبة تهيئة بعض أنواع العقارات
بعض العقارات لا تفوت للأشخاص الخاصة ومنها:
الأراضي السلالية: التي جعل ظهير 1919 أمر تملكها حكرا على الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية وعلى هذا المستوى يتم إقصاء شركات من الاستفادة من هذه الأراضي في مقابل استفادة الدرع العقاري للدولة مثلا، الأمر الذي اعتبره المتدخل محاولة  من الدولة المغربية للإلتفاف وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول عدم وجود إرادة في تعديل ظهير 1919 المتقادم الذي لا يواكب المستجدات.
أراضي الأحباس: تطرح على مستوى هذا النوع استحالة عملية، تتجلى في اشتراط إدارة الأوقاف للمعاوضة العينية، وهي بذلك لا تأخذ بعين الاعتبار إكراهات الفاعل العمومي.
الملاحظة الثالثة : محدودية تأثير الملكية الخاصة
رغم أهميتها وإحاطتها بضمانات دستورية وقانونية، فإنها تتميز بصغرها وتفتتها وغياب تحفيظها ( سعر التحفيظ يكون أكثر من نصف العقار)
وهذه الوضعية تجعل هذه العقارات غير قادرة على المساهمة في تغطية الخصاص في المجال السكني.
الملاحظة الرابعة: محدودية صلاحيات الإدارة التعميرية في الميدان العقاري
فعلى مستوى التدبير الحضري للعقارات وفيما يتعلق بالترخيص بالبناء نجد أن القانون 12.90 المتعلق بالتعمير لم ينص على وظائف الإدارة التعميرية في مجال التعمير.
ورغم محاولة الجهات الحكومية تدارك هذه الثغرات سنة 2000؛ عبر إصدار دورية وزارية حاولت أن تعفي صاحب العقار من الإدلاء بالوثائق المؤكدة لملكية العقار؛ إلا أن القضاء رفض الأمر من خلال عدة أحكام صادرة معللا ذلك بخرق الإدارة للقانون بإضافة شرط غير منصوص عليه قانونا وبالتالي فهو يدرج في خانة الأعمال غير المشروعة.
ولم يتوقف الأمر عند رفض القضاء المغربي للدورية من خلال الأحكام التي أصدر، بل نجد أنه سنة 2013 تم إلغاء الدورية بدورية مغايرة تنحو منحى القضاء.
والى جانب ما تمت الإشارة اليه يمكن عرض النقط التالية:
·        تم تجميد مشروع مدونة التعمير وتجزيئه إلى قوانين قطاعية لازالت هي الأخرى متعثرة
·        يتم تدمير الرصيد العقاري في غياب مؤسسة مختصة
·        ضرورة إعادة النظر في الترسانة القانونية بما يكفل تجانسها وتكاملها.
·        تشجيع القطاع العمومي.


المداخلة التي تلت هذه الورقة القيمة، كانت للدكتور الهادي مقداد، منسق مختبر القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال – الرباط. حيث أثني في بدايتها على أعضاء المنتدى لتعاونهم مع المختبر ونشاطهم العلمي المتواصل.
·        وقد اختار د. مقداد تناول موضوع «سياسة المدن الجديدة بالمغرب»؛ ذلك أن السلطات العمومية بالمغرب وباستمرار، منذ الستينات، عملت على ابتكار حلول وبرامج لحل مشكل التعمير والإشكالات العالقة على هذا الصعيد.
ومن جهة المعطيات نجد أنه ومنذ 1994 أصبح المغرب ذو تركيبة حضرية في مجملها؛ أي أننا لم نعد مجتمعا قرويا. وحسب الإحصاء العام لسنة 2004 فقد وصلت نسبة السكان الحضريين بالمغرب إلى 55.1 % وهناك توقعات بوصول النسبة إلى 60 %، في أفق ملامسة  70 %.
وهذه التحولات – حسب المتدخل - تثير ثلاث ملاحظات:
-    الملاحظة الأولى: يعرف المغرب نموا حضريا مستمرا على مستوى تزايد السكان وتزايد عدد المدن؛ التي انتقلت من 160 مدينة في سنوات الستينات لتصل الى 352 مدينة سنة 2004.
-    الملاحظة الثانية: نمو يصاحبه خصاص مهول ناتج عن عدم التوازن بين الطلب والعرض ويقدر العجز بحوالي 125 ألف وحدة سكنية سنويا وما ينتج في المغرب كعرض لا يتجاوز 90 ألف وحدة سكنية. ناهيك عن عجز ناتج عن تراكم سنوات يفوق مليون و200 ألف وحدة سكنية.
-         الملاحظة الثالثة: أصبح المغرب؛ نتيجة التزايد السكاني؛ يعرف حركة عمرانية غير متحكم فيها، من بين تداعياتها:
ü     ارتفاع القيمة العقارية.
ü     ضعف التجهيز والتمويل ونظام الحكامة بالمدن.
ü     انتشار السكن العشوائي.
ü     30 %من الساكنة الحضرية تـُـقصى من السوق الرسمية لعدم امتلاكها للقدرة المالية الكافية.
وهذه الحركة الديموغرافية و العمرانية أفرزت – حسب المتدخل- عدة إكراهات ومشاكل.
ولمواجهة هذه الإشكالات العالقة، وبالإضافة إلى البرامج الحكومية في المجال، نجد أن الدولة اتجهت إلى حلين لمواجهة الخصاص والإكراهات العالقة على مستوى  العقار والتمويل والتجهيزات الأساسية:
§        الحل الأول: فكرة المناطق العمرانية الجديدة.
وذلك بمقتضى المادة الرابعة من  القانون رقم 12.90 .
§     الحل الثاني: خلق مدن جديدة
ففكرة المدن الجديدة ظهرت لأول مرة بالمغرب سنة 1992 بإعلان الملك الراحل الحسن الثاني سلا الجديدة كأول مدينة جديدة
وأهم ما يتيحه هذا النوع من المدن من إمكانيات، نجد:
-         تفتح في المستقبل
-         توفير أراضي مجهزة لتملكها وتجهيزها بعيدا عن الضغوطات الموجودة في المدن والحواضر الكبرى.
-         التحكم في مسار المدينة عن طريق المخططات.
وانطلاقا من هذه المعطيات، فالسلطات العمومية بالمغرب، منذ سنة 1992 ووصولا إلى سنة 2004، ما فتئت تقوم بجهود لإنشاء مدن جديدة. وقد تكرس ذلك بإطلاق "البرنامج الوطني للمدن الجديدة "الذي جاء بطموح الوصول ل 20 مدينة جديدة في أفق سنة 2020
وفي محاولة لتقديم رصد تاريخي لتطور فكرة المدن الجديدة، أشار المتدخل إلى أن الفكرة ظهرت في أواخر القرن 19 وتحديدا بانجلترا سنة 1904 التي عرفت تشييد أول مدينة جديدة  بضواحي لندن، لتتسع بعد ذلك حركة بناء المدن الجديدة (بناء ثماني مدن جديدة بضواحي باريس، بفرنسا، عقب الحرب العالمية الثانية).
وعلى مستوى التعريف المعطاة للمدن الجديدة، أعطى الأستاذ المحاضر تعريفين، الأول نظري والذي جاء في «معجم التعمير» وعرَّف المدينة الجديدة بأنها: " مدينة مخطط لها يتم إحداثها بقرار إداري وفي ظل سياسة جهوية للتهيئة".أما التعريف الثاني المعطى فهو قانوني محض استقاه المحاضر من خلال مشروع مدونة التعمير التي لم تصدر بعد والتي قدمت تحديدا للمدينة الجديدة بالصيغة التالية: «مركز حضري جديد متعدد الوظائف ومتوازن يتيح إمكانية  التشغيل والسكن بما يحقق التنمية الاجتماعية»
والتعريف القانوني الأخير يثير ملاحظتين:
-         إشارته إلى تعدد وظائف المدن الجديدة.
-         التوازن فيما يتعلق بالإمكانيات.
ولعل الهدف من وراء إحداث هذا النوع من المدن- كما يوضح المتدخل - ليس فقط إيجاد سياسة حضرية، بل إيجاد سياسة لإعداد التراب المغربي على اعتبار أنها:
ü  تهدف لتوزيع السكان فوق مجال معين.
ü  تؤكد بأن الوعاء الترابي قادر على أداء الوظائف الاقتصادية والاجتماعية في مجال التنمية.
ومن جهة أخرى، وإذا عدنا للمخطط الوطني لإعداد التراب، نجد على أنه نص هو الآخر على المدن الجديدة كأقطاب حضرية مساهمة في التنمية. كما أن المشرع المغربي خصص خمسين مادة من داخل مدونة التعمير كلها تتطرق للمدن الجديدة من حيث تعريفها وكيفية إحداثها إلى جانب نصه على مخطط المدينة الجديدة وكيفية تطبيق الشرطة الإدارية فوق ترابها وإنشائها للجنة وزارية مكلفة بالمدن الجديدة.
وبصفة عامة يمكن حصر أهداف إحداث المدن الجديدة في النقط التالية:
-         تخفيف العبء عن المدن الكبرى.
-         التحكم في المجالات الحضرية.
-         تطوير أنشطة معينة في المناطق الحضرية.
-         تخفيف التوترات الاجتماعية.
وما يلاحظ بخصوص هذه المدن الجديد، كونها إما مدن تابعة للمدن الكبرى أو مدن مستقلة وهو ما يعكس اختيارات السلطات العمومية.



وبعد هذه المداخلة القيمة جاء دور الباحث محمد البزوي لتقديم مداخلة، اختار لها عنوان «أبعاد السياسة التعميرية والعوامل المؤثرة فيها». بدأها بالتأكيد بكون مشاركته في هذه المائدة المستديرة  يحكمها هاجس الاستفادة من الأساتذة المتدخلين الذين  لهم باع طويل في هذا المجال أكثر مما تطمح إلى طرح عرض معين في ذات الموضوع.
وأكد أن التحولات التي عرفها مفهوم الدولة وأثرها على وظائفها من حيث اتساع تدخلاتها هو الأمر الذي جعل السياسات العمومية تحتل مكانة بارزة ومن ضمنها السياسة التعميرية.
وبفعل تزايد التعداد السكاني للمغرب؛ ومن تم اتساع الطلب على السكن؛ ووجود تكدس سكاني في محور الدر البيضاء – الرباط- فاس، تحتم على السلطات العمومية اعتماد مبدأ التوقعية وذلك بسن سياسات تهدف حل الاشكالات على هذا الصعيد.
وفيما يتعلق بأبعاد السياسة التعميرية، فقد حصرها المتدخل في أربعة أبعاد وهي:
·   البعد السياسي: يتمثل في كون السياسة التعميرية هي نتاج قرار سياسي رسمي؛ أي لها ارتباط بالسياسة كممارسة عملية (قرارات، أعمال، تدخلات عمومية) ومن جهة تمثل إستراتجية تدخل ففي عمقها هي عبارة عن برنامج حكومي في ميدان التعمير.
·   البعد الاجتماعي: إن أي سياسة عمومية إلا وتستحضر الجانب الاجتماعي. والسياسة التعميرية تستدمج هذا البعد؛ فهي تنبني على فلسفة قوامها تحقيق العدالة المجالية ومحاولة حل الإشكالات العالقة اجتماعيا، فضلا عن كونها نقطة التقاء مصالح اجتماعية.
·        البعد الاقتصادي:على اعتبار أن السياسة التعميرية تساهم في التنمية الاقتصادية. وهنا يمكن تقديم كمؤشر متعلق بتطور استهلاك الاسمنت الذي تطور بين 2005 و2011 لينتقل من استهلاك يقدر ب 8.59 مليون طن إلى 13.69مليون طن؛ الشيء الذي يعني أن السياسة التعميرية لها أثر على الدورة الاقتصادية، كما أنها تأتي في صلب الإستراتجية المؤسسة للفعل التنموي.
·        البعد الثقافي: فأي إستراتجية ينبغي أن تراعي ذهنية المواطن
بعد ذلك،عرج المتدخل على تناول العوامل المؤثرة في السياسة التعميرية من منطلق أن أي سياسة عمومية لا تظهر بالصدفة بل هي نتيجة عمل تتداخل فيه مجموعة عناصر تساهم في إعداده. وإجمالا يمكن حصر العوامل المؤثرة في السياسة العقارية بالمغرب  في النقط التالية:
·        تعدد الفاعلين في مجال التعمير: ينتج عنه تداخل الاختصاصات وضعف التنسيق.
·        دور النخبة الوطنية والمحلية وسلوك الفاعلين السياسيين: من حيث تأثيرها في الفعل السياسي والإداري
·        الريع الاقتصادي والسياسي: تغليب الولاءات الخاصة على حساب المصلحة العامة.
·   التأطير القانوني للسياسة التعميرية: تقادم القوانين المنظمة للمجال وتشتتها وعدم استيعابها للتطورات الحاصلة ومن تم عدم ملائمتها للمتغيرات الوطنية.


وتناولت مداخلة د. علي بوحلبة موضوع «تطور إستراتجية الدولة في محاربة السكن غير اللائق بين المرجعية القانونية واكراهات التدبير الجيد». بدئها بطرح التساؤل التالي: لماذا معالجة السكن غير اللائق؟  
وفي معرض الإجابة عن هذا التساؤل، أشار إلى ضرورة تجنب الوصف ونحن إزاء هذا التساؤل؛ لأن الأمر في جوهره يتعلق بإعادة إنتاج التناقضات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع المغربي ومن تم فالأمر يتحول إلى تضليل سياسي وقانوني لتحقيق الإقصاء الاجتماعي، في ظل غياب عدالة اجتماعية.
والدولة واعية بخطورة هذا الإشكال، إلا أنه إذا ما حاولنا الوقوف على إستراتجية الدولة في مجال محاربة السكن غير اللائق نجد أن لها رؤية ترقيعية تتحكم فيها الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة؛ إذ إن جل البرامج في هذا الصدد مشتتة بالرغم من أن السكن غير اللائق أبان عن خطورته من خلال إفرازه لمجموعة من الإشكالات والظواهر.
ولعل العوامل المفرزة لهذه الظاهرة متعددة، ويمكن إجمالها في:
-         غموض الأنظمة العقارية.
-         تواطؤ رجال السلطة واللوبي العقاري بالمغرب.
-         النمو الديمغرافي المتزايد.
-         الرشوة في مجال رخص البناء.
وهي أمور تسائل مجهودات الدولة في مجال القضاء على هذا النوع من السكن.
النقطة الثانية التي عمل على تناولها المتدخل، تتعلق بتجليات اختلالات تدبير المجال بالمغرب، والتي أكد من داخلها على أن بروز المدينة لأول مرة بالحضارة الغربية عكس بروز الفرد في الوثيقة الدستورية الأوربية ومهد المجال للحداثة القانونية ومن تم انتقال المدينة من مجال للتسلط إلى فضاء الحرية.
وفي مقابل هذه الصورة، نجد على مستوى دول العالم الثالث، ومن بينها المغرب، بروز مدن مشوهة تتماشى مع الثقافة القطرية (الثقافة العربية الإسلامية في الحالة المغربية). وتدبير المدن تتحكم فيه المقاربة الأمنية بدل التسويق الترابي ولا أدل على ذلك أكثر من كون أن المدن المغربية لا تشكل سوى 2 في المئة من مجموع التراب الوطني رغم أنها تضم 62 % من الساكنة وتساهم بحوالي 75 %من الناتج الداخلي الإجمالي.
إلا أنه بالرغم من كل هذه السلبيات، نجد أن هناك مجهودات عمومية جبارة لرد الاعتبار للمدينة بالمغرب، كما أنه يجب استبعاد التفكير النمطي الذي يؤكد كون المدينة هي مصدر كل المشاكل فهي مجال لتقديم الفرص وتطوير أداء الفاعلين العموميين والخواص.
وقد اختتم الأستاذ علي بوحلبة عرضه بتقديم مجموعة من الحلول والتصورات لحل إشكالية السكن غيراللائق.
واختتمت أشغال المائدة المستديرة بمداخلة مركزة للباحث البشير الحجاجي في موضوع: "السكن القروي بين النص القانوني والممارسة الميدانية". بدأها بالإشارة إلى أن المجال القروي يشكل الحيز الخارج عن المدارات الحضرية ويغطي بالمغرب حوالي 45 %من المساحة الإجمالية ويعرف تطورا منذ سنة 1960.
وعلى مستوى آخر، سجل المتدخل غياب ذكر المجال القروي في أول النصوص القانونية المتعلقة بهذا الشأن، وهو ظهير 1914 الذي تحدث عن المجال الحضري فقط. وكان علينا الانتظار إلى حدود 25 يونيو 1960، حيث صدر نص قانوني أفرد بعض الفصول للمناطق القروية والسكن بها، كما أسس لوثيقة تعميرية هامة (تصميم النمو)
وقد تلته مجموعة من النصوص القانونية ومنها القانون 12.90 الذي تناول ذات الموضوع، كما تلته مجموعة من الدوريات الوزارية التي تسير في اتجاه هذا النص القانوني.
وبعد سرد المتدخل لمراحل إعداد التصميم بالمناطق القروية والمتدخلين فيه، انتقل إلى تناول الممارسة الميدانية التي اعتبر أنها توضح بجلاء الهوة بين التنصيص القانوني والممارسة. وهو ما اعتبره مفارقة. الشيء الذي يجعل سؤالا مشروعا يتبادر للأذهان: هل الخلل في القانون 12.90 الذي عجز عن إفراز قواعد قابلة للتنزيل أم هو ضعف الثقافة التدبيرية في مجال التعمير؟
وقد عرج بعد ذلك المتدخل على ذكر جملة من الثغرات المسجلة على مستوى تدبير السكن القروي، ومنها غياب لجنة تتبع تصميم التهيئة المنصوص عليها في قانون 12.90، كما أن شرط الهكتار لإقامة التجزئات السكنية القروية، كما تقضي بذلك المادة 20، يعتبر عائقا، بالإضافة إلى الإشكالات التي تثيرها الشواهد الإدارية.

أعد التقرير: محمد العمراوي (عضو المنتدى)

صفحة المنتدى التفاعلية:
البريد

تعليقات